حرب الجواسيس الإسرائيلية علي مصر لاتزال علي أشدها رغم مرور أكثر من31 عاما علي توقيع معاهدة السلام بين أكبر وأهم دولة عربية وإسرائيل وهي التي انهت عقوداين طويلة من العداء وإراقة الدماء..
كما فتحت الباب لاحقا لتوقيع اتفاقية وادي عربة مع الاردن وقبلها اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين.. لكن ولأنها إسرائيل فإنها لاتحفظ عهودها ولاتحترم معاهداتها أو اتفاقياتها.. فكونها مدينة بالجانب الأكبر من وجودها للولايات المتحدة لم يمنعها أو يمنع أجهزة مخابراتهما ـ الموساد تحديدا ـ من التجسس علي أدق أسرارها وحتي بيعها للصين أكد المنافسين الاستراتيجيين للقوة العظمي الأولي في عالم اليوم.. كما ان معاهدة السلام الموقعة مع مصر لم تمنع الموساد من السعي الي تجنيد عدد من الخونة للتجسس علي مصر لولا يقظة جهاز الأمن المصري الوطني ونجاحه في اصطياد هؤلاء الخونة الذين باعوا مصريتهم بثمن بخس وأسلموا أنفسهم للشيطان مقابل حفنة دولارات.
المهم ان القاء القبض علي الجاسوس المصري طارق عبدالرازق وضابطي الموساد بتهمة التجسس علي مصر وجمع معلومات حساسة عنها وعن سوريا ولبنان قبل يومين ليس أكثر من حلقة في مسلسل طويل يقوده الموساد من أجل العبث بأمن مصر القومي.. دون ان يأخذ في اعتباره انه خط أحمر ممنوع الاقتراب منه او التصوير. وهنا لانملك الا ان نرفع القبعة لاجهزة الأمن المصرية الساهرة علي أمن مصر والمصريين والتي طالما وجهت ضربات قاضية لمخططات الموساد ولن يكون اخرها الايقاع بشبكة التجسس التي تتألف من خائن مصري( طارق عبدالرازق) واثنين من ضباط الموساد.
إنها معركة طويلة بين جواسيس الموساد ورجال الأمن المصري تستحق ان تروي لنعرف ان تهديد إسرائيل للأقطار العربية لايفرق بين من تدرجه الدولة العبرية في خانة الاعداء ومن ترتبط معهم بالعهود والمواثيق علي غرار ماحدث مع مصر.
وعودة الي الوراء يتضح ان اجهزة الامن المصري اليقظة نجحت في اصطياد73 عميلا خلال20 عاما.. كان اخرها القضية الاخيرة المتهم فيها مصري محبوس وإسرائيليان هاربان من عملاء الموساد والأولي كانت شبكة آل مصراتي الشهيرة التي تم ضبطها عام1992.
والمثير واللافت في آن أن الكشف عن شبكة الجواسيس الاسرائيلية في مصر جاء بعد ايام قليلة من كشف الحكومة اللبنانية عن تغلغل شبكات تجسس إسرائيلية في شركات اتصالات لبنانية.. وبعد عدة اشهر من فضيحة كشف جريمة اغتيال عملاء الموساد للقيادي في حركة حماس محمود المبحوح في احد فنادق دبي مما اساء لسمعته داخل وخارج إسرائيل كما أفقده مجموعة من أفضل جواسيسه بعدما نجح الامن في امارة دبي في اكتشاف المتورطين في اغتيال المبحوح ونشر صورهم في الميديا علي نطاق واسع قبل ان يسلم مذكرات ملاحقتهم الي الشرطة الدولية.( الانتربول). وبسقوط اعضاء الشبكة الأخيرة يرتفع عدد الجواسيس الذين اصطادتهم أجهزة الأمن المصرية من عملاء الموساد إلي73 جاسوسا بعضهم من المصريين وغالبيتهم من الأجانب ومزدوجي الجنسية حيث يتم تجنيدهم عبر الاتصالات الدولية او في عواصم أجنبية. وفي17 أبريل2007 ضبطت السلطات المصرية شبكة تجسس إسرائيلية يقودها مهندس بهيئة الطاقة الذرية مع ايرلندي وياباني ليصبح هو الجوسوس الثاني الذي يتم كشفه في ذات العام ورقم67 في سلسلة الجواسيس المعتمدين من تل أبيب في خلال15 عاما منذ ضبط شبكة المهندس محمد سيد صابر علي شبكة مصراتي حيث تورط في نقل بيانات وتقارير من مقر عمله بهدف تسليمها للموساد مقابل المال وكشفت تحقيقات النيابة ان الجاسوس المذكور حصل علي جهاز حاسب مزود ببرنامج تقني متطور قادر علي اختراق أجهزة هيئة الطاقة الذرية.
وفي فبراير2007 كانت أجهزة الأمن قد تمكنت من الكشف عن تجنيد طالب فاشل بجامعة الأزهر وثلاثة ضباط من المخابرات الاسرائيلية بعدما ثبت انهم قاموا في الفترة من شهر أغسطس2001 وحتي يناير2007 بالتجسس علي المصريين والعرب في كندا وتركيا.
وتقول المصادر المصرية انه تم خلال الفترة من1990 ـ2000 ضبط أكثر من25 شبكة تجسس إسرائيلية في مصر منها9 شبكات تم ضبطها خلال الثلاث سنوات الأخيرة فقط.
ولاحقا تم ضبط شبكتين أخريين في عامي2002, ثم عام2007 تم ضبط شبكتين في شهري فبراير ثم أبريل, ليصبح المجموع28 شبكة تجسس في17 عاما تضم67 جاسوسا, ارتفعت بعد ضبط جواسيس ديسمبر الجاري2010 إلي29 شبكة تجسس بخلاف غير المعلن.
وسبق ان أحصت احدي الصحف شبكات التجسس التي جري ضبطها مابين1990 و2000, وقدرتها بــــ25 شبكة تجسس إسرائيلية في مصر وحدها منها9 شبكات( أوردت تفاصيلها) تم ضبطها خلال الثلاث سنوات الاخيرة وقالت الصحيفة في تحقيق موسع نشرته في عددها الصادر5 ـ12 ـ2000 إن عدد جواسيس الموساد الذين تم تجنيدهم والدفع بهم لمصر بلغ نحو64 جاسوسا بنسبة75% لمصريين و25% لجواسيس إسرائيليين.
وأشارت الي انه طوال الــــ25 عاما الماضية لم تضبط أجهزة الأمن المصرية سوي شبكات تجسس كلها اسرائيلية باستثناء حالة واحدة تم ضبطها لحساب المخابرات الامريكية ولكن في خلال العشر سنوات الماضية فقط تم ضبط9 شبكات.
في المقابل تؤكد تقارير الأمن المصرية ان86% من جرائم التهريب وتزوير العملات في مصر ارتكبها اسرائيليون في حين بلغت اعداد قضايا المخدرات المتهم فيها اسرائيليون ايضا خلال10 سنوات فقط نحو4 آلاف و457 قضية ومما يدلل علي ذلك اعتراف مصدر إسرائيلي بأن مصر يدخلها نحو500 طن مخدرات سنويا عن طريق إسرائيل.
ومعروف أن السياحة الي مصر احدي الوسائل لتنفيذ مخطط التجسس الاسرائيلي لزعزعة الاستقرار فيها وساعد علي ذلك ان الاسرائيليين لهم الحق ـ بموجب اتفاقية كامب ديفيد ـ في دخول سيناء بدون جوازات سفر أو تأشيرات لمدة أسبوعين مما جعل عملية التسلل الي داخل البلاد أمرا سهلا ومن ثم تعددت الحوادث التي خطط لها الموساد.
أما في1985 فقد تمكنت أجهزة الأمن المصرية من القبض علي شبكة تجسس إسرائيلية مكونة من9 أفراد ينتمون إلي الموساد الإسرائيلي حيث جاء التشكيل الي مصر علي دفعتين ضمن احد الأفواج السياحية أحدها مكون من أربعة أفراد توجه الي الاسكندرية والثاني الي منطقة القناة وقد ضبط الفوج الثاني في مدينة بورفؤاد أثناء قيامه بأعمال التصوير ورسم الخرائط لأماكن ممنوعة وضبط بحوزتهم عدة أفلام قاموا بتصويرها وبعد اجراء التحقيقات والتحريات تبين انهم ضباط بجهاز المخابرات الإسرائيلية الموساد.
وفي أغسطس1986 تم القبض علي شبكة تجسس أخري ضمت عددا من العاملين بالمركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة الي جانب امريكية تعمل في هيئة المعونة الامريكية حيث ضبطت اجهزة الأمن المصرية بحوزتهم كمية من الافلام والصور ومحطة ارسال واستقبال ومعمل تحميض وتبين ان هذه الصور تم التقاطها لوحدات من الجيش المصري اثناء الليل باستخدام اشعة الليزر.
وفي نهاية العام تم ضبط اربعة جواسيس صهاينة في شرم الشيخ.
وفي عام87 تم ضبط شبكة تجسس من السياح الإسرائيليين أثناء زيارتهم لشرم الشيخ. و في عام1990 ألقت أجهزة الأمن القبض علي إبراهيم مصباح عوارة لاشتراكه مع احد ضباط المخابرات الاسرائيلية في تحريض الفتاة المصرية سحر علي ارتكاب جريمة التخابر ضد مصر وكانت سحر قد رفضت التجسس علي وطنها وأبلغت اجهزة الامن المصرية بمحاولة تجنيدها وتم ضبط العميل وصدر ضده حكم بالسجن15 سنة.
وفي1991 ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض علي جاسوس آخر يعمل لحساب الموساد( عبدالملك عبدالمنعم) واعترف بأنه عمل لحساب الموساد مقابل دولارات قليلة بعد تجنيده داخل اسرائيل.
وفي نوفمبر1996 القت اجهزة الأمن القبض علي الجاسوس الاسرائيلي عزام مصعب عزام وشريكه المصري عماد عبدالحميد بتهمة التخابر لحساب الموساد, وكان عزام اخطر عملاء اسرائيل في مصر وأكثرهم غموضا حيث كانت مهمته جمع معلومات عن المصانع الموجودة في المدن الجديدة مثل مدينة6 أكتوبر والعاشر من رمضان من حيث النشاط والحركة الاقتصادية, وكانت وسيلة عزام جديدة للغاية وهي إدخال ملابس داخلية مشبعة بالحبر السري قادمة من إسرائيل مع عماد اسماعيل الذي جنده عزام, وقد تدخل للإفراج عنه ثلاثة رؤساء وزراء في إسرائيل هم بنيامين نتانياهو وإيهود باراك وارييل شارون وحتي الادارة الامريكية توسطت عند مصر للإفراج عنه. وفي عام2000 جري القبض علي الجاسوس شريف الفيلالي الذي ادين بالتجسس لحساب إسرائيل وحكم عليه بالأشغال الشاقة15 عاما قضي منها5 سنوات بالسجن ثم توفي داخل السجن.
أما في فبراير2007 فقد جري الكشف عن شبكة تجسس لحساب اسرائيل, تضم طالبا فاشلا بجامعة الازهر حاصلا علي الجنسية الكندية, وثلاثة ضباط بالمخابرات الإسرائيلية, قاموا في الفترة من اغسطس2001 وحتي الاول من يناير2007, بالتجسس علي المصريين والعرب في كندا وتركيا, وهو الجاسوس( محمد عصام العطار).
و18 ابريل2007 تم الكشف عن قضية الجاسوس المصري محمد سيد صابر التي كشفتها النيابة المصرية وحكم عليه بالسجن المؤبد لمدة25 عاما بعد اتهامه بالتجسس لصالح اسرائيل, وإفشاء اسرار المفاعلات النووية المصرية وشمل الحكم أيضا سجن ياباني وأيرلندي متهمين( هاربين) في نفس القضية ولعبا دورا في تجنيد المتهم بالسجن المؤبد.
وفي20 ديسمبر2010 أعلن النائب العام المصري ضبط أحدث شبكة تضم طارق عبدالرازق حسين حسن(37 عاما ـ صاحب شركة تصدير واستيراد)والاسرائيليين إيدي موشيه وجوزيف ديمور بتهمة جمع المعلومات عن الأهداف العسكرية والاستراتيجية والشخصيات العامة في مصر. وإن تاريخ التجسس بين مصر وإسرائيل يكشف عن ان اول جاسوسة أطلقت مصر سراحها منذ بدء نشاط الموساد في14 مايو1948 تحمل اسم بولاند هارس المتهمة باغتيال ضباط إنجليزي في مصر, وتم اطلاق سراحها في22 سبتمبر عام1987. ولكن, لم يكد الحبر الذي كتبت به معاهدة السلام يجف حتي جندت إسرائيل الجاسوس عامر سلمان, من بدو سيناء عام1982, حتي تم القبض عليه, وحكمت عليه محكمة العريش بالسجن مدي الحياة.
وفي عام1985, وجهت أجهزة الأمن المصرية صفعة جديدة بالقبض علي شبكة تجسس إسرائيلية مكونة من9 أفراد ينتمون الي الموساد الإسرائيلي, وكان التسعة قد دخلوا مصر علي دفعتين ضمن أحد الأفواج السياحية, لكن الموساد الإسرائيلي, حاول تبييض ماء وجهه وقام بزرع جاسوسين له في المركز الاكاديمي الاسرائيلي بالقاهرة, من خلال عدد من العاملين بالمركز, لكن اجهزة الامن المصرية, لم تمهل الموساد حتي يفيق من صفعته الماضية, وقامت بإلقاء القبض علي الشبكة الجديدة.
ولم يجد الموساد الإسرائيلي مفرا, وحاول انقاذ ما يمكن انقاذه من تهاوي سمعته بين الدول الأوروبية, فقرر تحريض فتاة مصرية تدعي سحر علي التخابر معه ضد مصر, لكنها لم تغب عن ذاكرتها دماء شهداء حرب اكتوبر, ولا علم مصر الذي رفعته مصر مرفرفا علي أرض سيناء, وقررت إبلاغ أجهزة الامن المصرية بمحاولة تجنيدها للتخابر علي مصر لصالح إسرائيل, وتم القبض علي إبراهيم مصباح عوارة, لاشتراكه مع أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية في تحريض سحر.
ثم جاء عقد التسعينيات, بشبكة تخابر جديدة لصالح إسرائيل, تقمصت بطولتها الإسرائيلية فائقة مصراتي ووالدها اللذان كانا يعيشان في القاهرة, واتضح أن فائقة ووالدها, كانا يخفيان عملهما في التجسس خلف ستار الدعارة التي كانت تمارسها فائقة مع أبناء الطبقة الراقية في حي مصر الجديدة, ومن خلال دعارتها بمساعدة والدها, كانت تصب المعلومات التي يجمعانها لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي, حتي تم القبض عليهما.
فيما كانت قضية الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام, من أشهر القضايا التي استخدمت فيها إسرائيل الأنشطة الاقتصادية لتتجسس علي مصر من خلال تجنيد بعض ضعاف النفوس لجمع المعلومات عن جميع الأوضاع في مصر, وكان ذلك في1996, عندما كانت الاستعدادات تسير في مصر علي قدم وساق لاستضافة المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا, بمشاركة إسرائيل, وتمكنت المخابرات المصرية من اعتقال عزام عزام الذي كان يعمل مديرا لمصنع إسرائيلي مصري للنسيج في القاهرة.
ومن أشهر قضايا الجاسوسية أيضا كانت قضية الجاسوس سمير عثمان في أغسطس1997 عندما سقط في يد رجال الأمن أثناء قيامه بالتجسس مرتديا بدلة غوص, حيث كانت مهمته التنقل عائما بين مصر وإسرائيل بعد أن جنده الموساد, وأعترف بأنه تم تجنيده عام1988 علي يد الموساد بعد أن ترك عمله في أحد الأجهزة المصرية, حيث سافر إلي اليونان والسودان وليبيا ثم إلي تل أبيب, حيث جهز له الموساد4 جوازات سفر كان يستخدمها في تنقلاته, وأثناء تفتيش منزله عثر علي مستندات هامة وأدوات خاصة تستخدم في عمليات التجسس التي قام بها.
وفي الربع الأخير من عام2000 تفجرت قضية الجاسوس المصري المهندس شريف فوزي الفيلالي, وتتلخص قضيته في أنه سافر لاستكمال دراسته في ألمانيا وتعرف خلال إقامته بها بامرأة يهودية قامت بتقديمه إلي رئيس قسم العمليات التجارية بإحدي الشركات الألمانية الدولية, والذي ألحقه بالعمل بالشركة وطلب منه تعلم اللغة العبرية تمهيدا لارساله للعمل في إسرائيل, لكنه فشل في تعلم العبرية وسافر إلي إسبانيا بحثا عن فرصة عمل قيمة لكونه كان يعشق الثراء السريع وتزوج من إمرأة يهودية, وتعرف عن طريقها علي ضابط بجهاز المخابرات السوفيتي السابق, المتهم هو الآخر في القضية, وبدأت لقاءات الفيلالي مع ضباط الموساد إلي أن نجحت أجهزة المخابرات المصرية في القبض عليه وكانت أشهر قضية تجسس مع بداية عام2000 وحكم عليه بالسجن15 عاما.
وثمة قضية تجسس أخري أحبطت قبل أن تبدأ وهي قضية مجدي أنور توفيق, الذي حكم عليه بالسجن10 سنوات أشغالا شاقة للسعي للتخابر مع الموساد الإسرائيلي ووجهت له أجهزة تهمة السعي إلي التخابر مع دولة أجنبية وأيضا تهمة التزوير في أوراق رسمية حيث قام المتهم بتزوير شهادة من الأمانة العامة للصندوق المصري للتعاون مع إفريقيا التابع لوزراء الخارجية تشير إلي عمله كوزير مفوض علي غير الحقيقة, واعترف الجاسوس بأنه قام بالاتصال بالقنصلية الإسرائيلية بالإسكندرية عن طريق الفاكس مبررا أنه كان يريد عناوين بعض الأجهزة الدولية.
وعلي مدار أكثر من50 عاما ماضية لم تحاول دولة أيا كانت أن تتخابر علي مصر مثلما حاولت إسرائيل.
الموضوع منقول من مقال جريدة الأهام المسائي بتاريخ 22 / 12 / 2010